في 20 أغسطس (آب) الماضي، أصدر رئيس ستديوهات وورنر آلان هورن بياناً موجّهاً الى المعجبين بهاري بوتر، الشخصية والفيلم، يعتذر فيها عن تأخير عرض الجزء السادس من السلسلة المعروفة الى مطلع الصيف المقبل، عوضًا عن الموعد الذي كان مقرراً له وهو أعياد آخر السنة، والمؤجل أصلاً من موعده الأول وهو 21 نوڤمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي.
بعد أربعة أيام، كانت وورنر ترفع دعوى قضائية ضد شركة إنتاج هندية تزمع إطلاق فيلم يحمل عنوان Hari Puttar: A Comedy of Terrors، لم يعرف بعد موقف الشركة الهندية التي تقول إنها اختارت العنوان سنة 2005، وأن وورنر انتظرت الى حين اقترب عرض الفيلم لترفع دعواها فتؤجل عرضه وتضرّ به. تضيف: «لا نرى أن ثمة تشابهاً بين العنوانين».
لكن يرى البعض تشابهًا، خصوصاً بعد قراءة ملخّص الفيلم المنشور على عدد من المواقع بينها موقع الفيلم نفسه، ما يجعل كل من رسالة الإعتذار ورفع القضية في المحكمة متلازمين. جمعت سلسلة هاري بوتر، تلك التي ينتجها ديڤيد هايمان وتموّلها وورنر، تبعاً لمصادر رسمية، ما حصيلته 4 بلايين و470 مليون دولار في إطلاقاتها الخمسة السابقة، بذلك تفوقت على ما جمعه 22 فيلماً من سلسلة «جيمس بوند» وما جمعته ستة أفلام من سلسلة «ستار وورز».
على الرغم من ذلك، يحمل كل فيلم جديد من السلسلة (بقي منها ثلاثة الا إذا تراجعت المؤلّفة J.K. Rowling عن موقفها وكتبت حكايات جديدة) في طيّاته خطر الإنزلاق الى مستوى منخفض من الإقبال يكون شبه تمهيد لتراجع المعجبين من حوله، من هنا حرصت ستوديوهات وورنر على الإعتذار من جهة، والدفاع عن تلك القلعة من الأعمال من جهة أخرى، كي لا ينال منها غيورون يخطفون الإقبال بأسماء قريبة او متشابهة.
ثمة مصدر آخر للقلق: الآن وقد أصبح أبطال المسلسل في سنوات المراهقة، كيف سيعامل الجمهور الأفلام المقبلة إذا ما قررت الإعتراف ببلوغ أبطالها الثلاثة هاري وهرموين ورون مرحلة السنوات الشابة المليئة بالمشاعر العاطفية التي لم تكن محسوبة حين كانوا أصغر سناً؟ كيف سيعامل الفيلم المقبل؟ ماذا سيحدث إذا ما شعر المشاهد أن تلك الأحاسيس طغت على روح المغامرة التي ميّزت تلك الأفلام الى الآن؟
نشاهد في الفيلم الجديد Harry Potter and the Half-Blood Prince رغبة صانعيه في معالجة هذا الموضوع متلمّسين موطىء أقدامهم بحذر شديد.
تتحدث القصّة التي سنراها، كما جرت العادة، عن ذلك العالم الموازي لعالمنا الذي يستطيع الموهوبون بقدرات سحرية وحدهم الوصول إليه والعيش فيه. لكن الى جانب المغامرات الناشئة عن ذلك الجانب ثمة موضوع عاطفي.
هاري بوتر (دانيال ردكليف) على وشك مفاتحة هرمونين (إيما واتسون) بحبّه لها، حين يلحظ جلوسها على الأدراج العريضة داخل القصر الداكن تبكي ورأسها بين يديها، يتقدّم منها ويسألها عن سبب بكائها، وهنا يدرك أنه تأخر كثيراً في مفاتحتها، إذ تعترف له بأنها مغرمة برون صديقهما المشترك (روبرت غرينت) لكنها اكتشفت أنه مغرم بفتاة انضمّت حديثاً الى المنظّمة تدعى لَڤندر (جيسي كايف التي تظهر في السلسلة للمرّة الأولى).
لا أهمية للسلسلة بكاملها إذا لم يكن ثمة كم كبير من الخيال القائم على أعمال السحر الخيّر منها والشرير. سيجد هاري في الفيلم أنه لا يستطيع أن يترك مسألة مجابهة الشرير الكبير فولدمورت، ليفعل ذلك يحتاج الى ما هو أكثر من قدرته السحرية التي برهن عنها عشرات المرّات في الأفلام السابقة. عليه هذه المرّة الوصول الى خفايا تاريخ ذلك اللورد الشرير القادر على إرسال مخلوقاته المخيفة إلى من يرغب في قتلهم، والذي، كما فهمنا من الجزء الرابع Harry Potter and the Goblet of Fire قتل والد هاري.
سيكتشف هاري هذه المرّة الوسيلة الفاعلة في كشف تاريخ اللورد ونقاط ضعفه، حين يقع على كتاب عنوانه «الأمير نصف الشقيق» (كما عنوان الفيلم) وعندما يقرأه لا تنكشف أمامه حقائق مكتوبة، بل تخرج من تلك الكلمات أرواحاً إذا سمح لها بالدخول إليه تسلّح حينها بقوّة توازي قوة فولدمورت.
زيارة صحافيّة
من يقرأ الرواية يعلم أن المجابهة مؤجّلة. الفيلم الذي يجمع طاقم السلسلة كله من الممثلين والوجوه الجديدة: جسيكا كايف وهيرو فاينس- تيفين والممثل المخضرم جيم برودبنت، ويخرجه ديڤيد ياتس، مخرج الجزء الخامس من السلسلة Harry Potter and the Order of Phoenix، يقترح أن هاري بوتر بات يعلم اليوم الكثير عن عدوّه اللدود، لكن الوصول الى مجابهته، ناهيك التغلّب عليه، متروك للحلقة الأخيرة Harry Potter and the deathly Hallows التي ستعرض عام 2010.
المشكلة التي عاناها كاتب السيناريو ستيف كلوڤز هي أن رواية رولينغ (652 صفحة) مليئة بمشاهد استرجاعية أو ما يعرف
بالـFlashback، وحافظت النسخة الأولى من السيناريو على كثير منها. لكن بمراجعتها مع المخرج ديڤيد ياتس تبيّن أن تلك الحكايات التي تعود بالمشاهد الى الماضي تعرقل تقدّم الفيلم بأسره الى الأمام.
في النسخة الثانية من السيناريو، قلِّصت المشاهد الإسترجاعية الى ثلاثة فحسب، نتعرّف خلالها الى فولدمورت كولد صغير ثم كطالب في مدرسة السحرة.
تعتبر زيارة القلعة، التي تحوّلت الى ستديو تصوير سلسلة هاري بوتر، وهي الزيارة التي قمت بها مرّتين سابقتين كل واحدة في مناسبة فيلم مختلف من السلسلة، تجربة أقل إثارة من الأفلام.
ينطلق بك الركب المؤلّف من الملحقة الصحافية للفيلم ومساعديها ولفيف من الصحافيين والنقّاد، من وسط لندن صعوداً الى شمالها والخروج بعد ذلك من المدينة لنحو ساعة من الزمن. هناك في الريف تلفّ الحافلة يساراً ويميناً أكثر من مرّة لتصل الى قلعة حقيقية كبيرة تحيط بها في الخلفية وأمامها حديقة تحوّلت الى منشآت مختلفة.
عندما تدخل الحافلة من الباب الواسع وتبحث لنفسها عن مكان تتوقّف فيه، تلحظ خيمة كبيرة منصوبة في وسط الحديقة. إنها الخيمة التي سيجلس فيها الصحافيون محاطين بكل أنواع المشروبات (غير الكحولية) والطعام الساخن والبارد والفاكهة المتنوّعة. على الصحافيين (نحو 30 في كل زيارة) الجلوس لفترة قبل أن يُقسَّموا الى خمس أو ست مجموعات. تتوجه كل مجموعة الى نقطة (يقودها مساعد صحافي) مختلفة ثم تنتقل الى النقطة التي توجّهت إليها المجموعة الأخرى، وبعد ذلك الى النقطة الثالثة، وهكذا الى أن يُمرّ على نقاط عدة، كل واحدة بمثابة مكان يُصوَّر فيه مشهد ما. ثمة مكان عبارة عن غرفة مكتب تجمع بين هيلينا بونهام كارتر وآلان ريكمان، ومكان آخر بعيد تُصوَّر فيه مجاميع مختلفة لا يمكن تبيّن وجوه أصحابها. قد تدخل حجرة كبيرة مؤلّفة من دورين مع سلّم متحرك لا ينصحك الدليل بمحاولة الصعود عليه. كذلك ثمة بعض الغرف التي يجلس فيها بعض الممثلين المستعدّين للحديث عن الفيلم حسب سيناريو جاهز، يعرفون تبعاً له كيف يتحدّثون كثيراً ولا يقولون شيئاً مفيداً.
في المحطّة الثانية، أدركت جوهر المسألة وأخذت أؤخّر خطواتي بالتدريج لعلِّي أستطيع الإفلات وأدّعي أنني ضعت في تلك الدهاليز الكبيرة، ولربما استطعت بعد ذلك العودة الى الخيمة والإنتظار فيها. لكن لا بد من أن غيري فعل ذلك، لأن الدليل كان يتطلّع دائماً الى آخر فرد في مجموعته وعلى وجهه ابتسامة عريضة تقول لك:» لا تحاول. مررتُ بالتجربة سابقاً».
ممثّلون جيّدون... مشكلة
صوِّر المشهد الذي وصفناه في مطلع الحديث، حيث يجد هاري بوتر هرمونين جالسة تندب حظّها العاثر، ضمن الهدوء المفروض والطبيعي. يجلس المخرج ياتس قريباً من الكاميرا لكنّ عينيه على المونيتور يتابع أدق تفاصيل اللقطة القريبة للممثلين. حين يقول Stop (توقّف) تكاد تسمع أنفاس الجميع تخرج معاً في زفرة واحدة. يتوجّه الى بطليه ويهمس لهما بكلام لم يكن في المقدور سماعه، لكن كل من زار تصوير فيلم أجنبي يعلم أن الهمس لا يقع الا إذا أدرك المخرج أن أحد ممثليه لم يقدّم أفضل ما عنده، او ربما ابتلع كلمة او أخطأ في التعبير، وأن النتيجة ستكون إعادة التصوير.
ما من إثارة في إعادة التصوير، لأن المشهد هو ذاته يتكرر مرّة بعد أخرى ومن زاوية أو زاويتين، وعليك أن تلتزم السكوت فلا تعطس فجأة او تتعثّر، كما حدث معي ذات مرّة، بكابل كاميرا عمود الإضاءة الممدود على الأرض، ما نتج منه تأرجح العمود كما لو كان زلزالاً مفاجئاً ألمّ بالمكان، ما أفسد تصوير المشهد. بعد تلك التجربة باتت الكابلات الممدودة على الأرض عدوّة أحذر منها.
في اليوم التالي، في ردهة الفندق الذي تحوّل الى مركز أعمال الفيلم، يسأله صحافي عن المشهد الذي أُعيد تصويره، فيقول المخرج إن ممثليه كانا جيدين... «وهنا المشكلة».
ما يقصده المخرج الذي يستلم زمام العمل على تلك السلسلة للمرّة الثانية، هو أن ردكليف وواتسون حفظا الدور جيّداً لدرجة أنهما يمثّلانه كما لو كان إلقاء غيبياً. لم يشعر ياتس بأن قلبيهما يخفقان وسط تلك المشاعر التي تحرّكهما.
قال ياتس لهذا الناقد في مقابلة سابقة أن استلامه مهام إنجاز الحلقات الباقية من هذا المسلسل لم يكن أمراً سهلاً، لكنه طموح كبير: «بالطبع شاهدت الأجزاء السابقة كلها وفي كل واحد منها قدر كبير من الجهد والموهبة لا يمكن نكرانه، لذلك لا أريد أن أبدو متهرّباً من السؤال المعتاد عن أي من تلك الأجزاء هو الأحب إليّ. أعتقد أن الأجزاء المتبقية من هذا المسلسل السينمائي تفرض علينا أن نرتاح الى أسلوب عمل واحد يقضي على التفاوت المحتمل بين الفيلم والآخر. لذلك أنا سعيد في إنجاز الفيلمين الماضي والراهن وأنظر قدماً الى حين أستطيع إنجاز الحلقتين التاليتين أيضًا».
مخرجون سابقون
لم يكن اختيار ياتس متوقّعاً. اختير كل واحد من مخرجي الأجزاء السابقة تبعاً لمهارته في أعماله السينمائية السابقة.
عُرف كريستوفر كولمبوس الذي أخرج الجزءين الأول والثانيHarry Potter and the Philosophers Stone
وHarry Potter and Chamber of Secrets ، بغزارة أعماله ومهارتها السردية وتنوّعها من الكوميديا، مثل سلسلة Home Alone و the Goonies الى الرعب. أنجز ألفونسو كوارون أعمالاً هتف لها النقاد وأثارت حماسة المشاهدين وجمعت بين الترفيهي والخيالي آخرها Children of Men. أما مايك نيووَل فاختير تبعاً لأعمال كثيرة في التشويق البوليسي والخيالي، من بينها Bonnie Brasco وMona Lisa Smile.
لكن ياتس لم تتعدَّ خلفيّته السينمائية فيلماً واحداً هو The Tichborne Claimant لم يلقَ أي نجاح تجاري. حين اختاره ديڤيد هايمان عزا المنتج ذلك الى خبرة ياتس الكبيرة في العمل التلفزيوني. قال لي في العام الماضي قبيل إطلاق الجزء الخامس: «وصلنا الآن الى الدرجة التي علينا أن نضمن فيها وجود مخرج يستطيع التعامل مع الممثلين لاستخراج أفضل ما عندهم. كان المخرجون السابقون جميعاً جيدين، لكن على السلسلة ألا تتكل على القصّة والخدع السينمائية فحسب بل على عنصر التمثيل أيضاً، هنا يؤدي ديڤيد الدور المطلوب لأنه خبر التعامل مع الممثلين من خلال عشرات الأعمال التلفزيونية التي تتطلّب التركيز على التمثيل أكثر مما تتطلّب الأفلام الخيالية عادة».
أجزاء Harry Potter الخمسة : تفاوتت كنوعيّة، لكن نجاحاتها كانت متقاربة.
Harry Potter and the Philosopher’s Stone (2001) **
إخراج: كريستوفر كولمبوس
خرج الفيلم الأول جنباً الى جنب مع الجزء الأول من Lord of the Rings والمقارنة ليست لصالحه مطلقاً. على الرغم من حسن تنفيذ مؤثراته، تعرّض هذا الفيلم الى عواقب اللقاء الأول بين الرواية الضخمة ومحاولة الإختزال. حلّت ألغاز حوارية بلقطتين او ثلاث، ما يجعل الفيلم يبدو متسارعاً.
• مجمل إيراداته: 976 مليون دولار.
Harry Potter and the Chamber of Secrets (2002) ***
إخراج: كريستوفر كولمبوس
أتى الجزء الثاني أفضل من الأول بعدما خبر النواحي كلها والجوانب الكثيرة التي على المسلسل أن يتضمّنها، لكن ينقصه اكتراث الصانعين لما بعد الصورة الماثلة. مع إضافة شخصيات جديدة إلى تلك المتعددة التي احتواها الجزء الأول، أصبح لدى المشاهد ما يكفي من الشخصيات الضائعة في متاهات ما يدور مع كل التنميط الممكن، للصالح منها والشرير.
• مجمل إيرادته: 877 مليون دولار.
Harry Potter and the Prisoner of Azakban (2004) ***
إخراج: ألفونسو كوارون
جددت الإستعانة بالمخرج المكسيكي كوارون المعالجة العامّة، إذ جعلتها أكثر تركيزاً على الشخصيات، مدمّجة بالمؤثرات المعهودة عوض أن تبدو مصنوعة لتلك المؤثرات. كذلك نجح المخرج في تقديم نظرة أكثر سوداوية لفيلم لا ينشد أساساً ترفيهاً للصغار، بل يسعى إلى عكس عالم هو في الأساس داكن. شهد تطوّراً مرحّباً به لشخصية هاري الذي كان يبدو دائماً صبياً مذهولاً.
• مجمل إيراداته: 790 مليون دولار.
Harry Potter and the Goblet of Fire (2005) **
إخراج: مايك نيوول
مزيد من المعارك والمؤثرات في حبكة جيّدة الكتابة، ولو أنها مرّة أخرى، وبشكل طبيعي، تختزل او تلغي كثيرا من كتاب يزيد عدد صفحاته على 600 صفحة. يعتني نيوول بالحركة والمونتاج محدثاً إيقاعاً لا يتوقّف. يعاني صديقا هاري (رون وهرموين) قدراً من التهميش هنا لصالح هاري الأكثر سيطرة.
• مجمل إيراداته: 892 مليون دولار.
Harry Potter & the Order of Phoenix (2007) **
إخراج: ديڤيد ياتس
يحقق المخرج الآتي من التلفزيون فيلماً صعباً كون التحدي يأتي من الأجزاء السابقة التي عليه مضاهاتها. هذا وحده معضلة خصوصاً أنه يجابه اختلافات في أعمار ممثّليه وضرورة رفع سقف المواضيع المتداولة. ثمة بعض الحركات التي لا تؤدي الغاية الجادّة منها، مثل كيف يهز هاري عصاه القصيرة التي إذا ما وجّهها الى شخص او الى شيء تغيّر وتم إيقاف شرّه. مرّة، مرّتين، ثلاث ويتحوّل السحر الى هزل رخيص التكلفة.
• مجمل إيراداته: 937 مليون دولار.
الجمعة سبتمبر 25, 2009 7:23 pm من طرف the angel
